المكان: المحكمة العليا بهاهاي
الزّمان: يوم الحشر
الفصل الأوّل: محاكمة النّساء
اصطفّت كلّ نساء البلاد أمام القاضي الأعلى و قد أرجعن إلى سنّ التّاسعة، لأنّ سنّ الرّشد في بلادنا هو التّاسعة
كان لكلّ واحدة منهنّ دمية صغيرة و قطعة شوكولاطة منحهنّ إيّاهما القاضي الأعلى حتّى لا تضجرن من طول الإنتظار.
كانت قاعة المحاكمة سوداء حالكة، لا تضويها سوى بعض الشّمعات نصبت بثبات أمام القاضي و وكيله الأوّل ، فحتّى وكلائه الباقون كانوا متستّرين بالظّلام القاتم و كأنّهم جاءوا للقاعة خطأً أو قد غُضِبَ عليهم مند زمن طويل
نفخ الكاتب في الصّور مناديا الأولى للحضور .... ارتعدت فرائصهنّ، هممن بالبكاء و لكنّهن سكتن خوفا من بطش القاضي و وكيله الأوّل الّذي كان يرصد كلّ حركة زائدة لتعميق أحكام القاضي و تشديدها.
تقدّمت أولى المحاكَمَات و هي ترتعش خوفا ... أمرها القاضي بالجلوس فوق كرسيّ الإتّهام، و توجّه إليها قائلا:
ـ ملفّك بسيط يا صغيرتي و لكنّي أرى نقطة سوداء تعقّد وضعك و تصعّب البتّ فيه
تنظر إليه بتعجّب و حيرة و قد سقطت دميتها أرضا ... يواصل القاضي:
ـ لماذا امتنعتِ عن زوجكِ يا صغيرة؟
ـ لم أمتنع سيّدي القاضي، لكنّي لم أتجاوز سنّ التّاسعة حينها و لم أقدر أن .....؛
يجنّ جنون القاضي و يقاطعها صائحا:
ـ كيف لم تقدري؟؟؟؟ كيف لم تقدري و قد قدرت المئات من قبلك؟
ألم أوصيكم بأن تعتبروا من زوجة سيّدكم الوكيل الأوّل؟؟؟ فلماذا قدرت هي و رفضتِ أنتِ؟؟؟
ـ سيّدي، أرجوك ..... أقسم لك أنّي لم أمتنع، كلّ ما في الأمر أنّ جسمي الصّغير لم يحتمل ما طـُلب منّي
ـ أصمتي يا قذرة... على كلّ حال لن أطيل الحديث معك، فأنتنّ قاصرات مهما كان عمركنّ .... و قد ذكِر ذلك في مجلّة الأحوال العامّة لبلادنا
سيّااااااااااااااف ...... احمي الفرن و قدها إليه
يقودها جلاّدها نحو باب صغير تحت أنظار الوكيل الأوّل الشّامتة و يرميها خلفه .... تُسمَع صرخات سرعان ما تختفي، و يعلو صوت القاضي من جديد آمرا الكاتب بإحضار المتّهمة التّالية
تتقدّم الطّفلة غير عابئة بما يحدث حولها، فهي لم تر القاضي من قبل و لا حتّى وكيله الأوّل و لا تعرف سبب محاكمتها. تواصل أكل شوكولاطتها و تحاول إدخال البعض منها في فم دميتها ....؛
يأمرها القاضي بالجلوس .... يفتح الملفّ أمامه و سرعان ما يعبس و يظهر على وجهه الغضب و الاشمئزاز
ـ ما أبشع هذا الملفّ و ما أكثر تقاريره ...
يلتفت للطّفلة الجالسة أمامه و يصيح في وجهها قائلا:
ـ أ لا تخجلين من نفسك يا قردة، يا خنزيرة؟
ـ ماذا فعلت يا سيّدي حتّى تخاطبني بكلّ هذه القسوة؟
ـ لا تعرفين ماذا فعلت؟ ألم تشربي الخمر طوال حياتك السّمجة و قد منعك الوكيل عنها؟
ـ معذرة سيّدي و لكنّ الوكيل لم يمنعني عنها أبدا، بالعكس. بل حبّبها إلى نفسي و أشربني إيّاها من يديه و في بيته
ـ لا تستبلهيني يا قردة ... أنا أتكلّم عن الوكيل الأوّل الجالس على يميني، فهو الوحيد القادر على معرفة مصالحكم
ـ و لكنّي لا أعرفه سيّدي، وكيلي هو ذاك الأشقر الجالس خلفك
ـ و لكنّ عهد ذلك الأشقر ولّى منذ زمن بعيد ..... فلا وكيل عندي سوى الوكيل الأوّل
ـ لست على علم بهذه القوانين سيّدي، فلم يطلعني عليها أحد و لم أر هذا الوكيل من قبل و لم أسمع عنه قطّ
ـ كان عليك أن تسألي أكثر ممّا فعلت ...
ـ كيف أسأل سيّدي عن شيء ليس لي به علم؟
ـ لا يهمّني .... فتقرير الشّرطة يكفي لحشرك مع المجرمين و المعارضين و المنافقين ..... سيّااااااااااف
يقودها السّيّاف خلف نفس الباب الضّيّق، ..... نفس الصّرخات ... نفس الآلام ... نفس المصير
يشعل القاضي سيجارة حتّى يهدأ و يخفّض من غضبه، ثمّ يومئ للكاتب برأسه و قد بدأ الهدوء يرتسم على وجهه
يتقدّم الكاتب وسط القاعة ماسكا بيده الطّفلة الموالية
نظر إليها القاضي و قد رُسمت ابتسامة عريضة على شفتيه المتشقّقتين ... خاطبها بكلّ لطف:
ـ أجلسي يا حلوة، و أرفعي عنك هذه السّترة ، فأنا القاضي و هذا الوكيل الأوّل، و لا فائدة في التّغطّي
ترفع الطّفلة سترتها فيلوح وجهها شاحبا وسخا و قد اختلط شعرها النّاعم بالتّراب و بعض الحشرات الصّغيرة
يتعجّب القاضي و ينادي الكاتب:
ـ ما قصّة هذه المتّهمة؟ و أين ملفّها؟ و أين شوكولاطتها و دميتها؟ ألم أعلمكم أنّ كلّهنّ سواسية؟
يقترب منه الكاتب و يهمس له مرتبكا:
ـ ليست متّهمة سيّدي، إنّها هي الشّاكية
ـ شاكية؟ و من غريمها؟
يقترب الكاتب أكثر من أذن القاضي
ـ غريمها هو والدها يا سيّدي القاضي،... "سيّدنا أدهم"، صديق وكيلكم الأوّل
ينظر القاضي إلى وكيله الّذي يومئ له برأسه و كأنّه يقول له: "نعم سيّدي، لا تخجل، افعل ما يدور برأسك"
ينظر القاضي إلى الصّبيّة و يسألها:
ـ ما شكواك يا صغيرة؟
ـ دفنني والدي حيّة يا سيّدي. لم يقبل أن تكون بكره أنثى، فأردت أن أرفع أمري لسيادتك، ... لقد قالت لنا معلّمتي أنّك أعدل من في البلاد و لا تعقل الشّكوى لسواك يا سيّدي القاضي.
ـ و حتّى إن دفنك حيّة؟ ألك من قلّة الحياء ما يدفعك للشّكوى بأبيك إلى المحكمة؟
ـ لكنّه دفنني يا سيّدي .... دفنني و ليس لي من ذنب سوى أنوثتي، دفنني و قد متّ اختناقا بالتّراب بينما كانت الأخريات تلعبن في ساحات المدارس و الرّياض
تحمرّ أعين القاضي و يصرخ في وجهها:
ـ ألا تعلمين أنّ والدك صديق الوكيل الأوّل، و أنّ أصدقاء الوكيل الأوّل قريبون من نفسي و لهم حصانة المحكمة العليا؟؟؟ ... إنّ والدك دفنك قبل أن يتعرّف على صاحب السّموّ الوكيل الأوّل، و تعلمين جيّدا أنّ كلّ ذنوب أصدقاء الوكيل تغفر و أنّ كلّ أعمالهم مباركة.
ـ سيّدي، هل تغفر أعمالهم حتّى و إن دفنوا بناتهم؟
ـ طبعا تغفر ... أبوك صديق الوكيل الأوّل يا عاقّة، صديق الوكيييييييل !!!!
سيّاااااااااااااااف ... أعدها من حيث أتيت بها، فمكانها تحت التّراب ليس فوقه
يشعل القاضي سيجارة أخرى، ..... يشرب بعض الماء، و ينهض و قد بدا عليه الإعياء و الإرتباك
ينفخ الكاتب في الصّور مرّة أخرى معلنا إنتهاء الحصّة الأولى و يخبر الحضور بأنّ المحاكمة سوف تتواصل بعد بضع ساعات
أغادر القاعة مسائلا نفسي: هل يعدل القاضي عن أحكامه؟
هل يقتنع مثلي بأنّ ما كتبه الوكيل الأوّل على الورق لا يمكن أن يكون عادلا و لا منصفا لمواطنات البلاد؟
هل يخرج البنات من قبورهنّ المظلمة إلى نور الحياة؟
أعيت التساؤلات رأسي و أرهقت نفسي ..... و ها أنا أنتظر نهاية الرّاحة للعودة إلى قاعة المحكمة ....؛
الزّمان: يوم الحشر
الفصل الأوّل: محاكمة النّساء
اصطفّت كلّ نساء البلاد أمام القاضي الأعلى و قد أرجعن إلى سنّ التّاسعة، لأنّ سنّ الرّشد في بلادنا هو التّاسعة
كان لكلّ واحدة منهنّ دمية صغيرة و قطعة شوكولاطة منحهنّ إيّاهما القاضي الأعلى حتّى لا تضجرن من طول الإنتظار.
كانت قاعة المحاكمة سوداء حالكة، لا تضويها سوى بعض الشّمعات نصبت بثبات أمام القاضي و وكيله الأوّل ، فحتّى وكلائه الباقون كانوا متستّرين بالظّلام القاتم و كأنّهم جاءوا للقاعة خطأً أو قد غُضِبَ عليهم مند زمن طويل
نفخ الكاتب في الصّور مناديا الأولى للحضور .... ارتعدت فرائصهنّ، هممن بالبكاء و لكنّهن سكتن خوفا من بطش القاضي و وكيله الأوّل الّذي كان يرصد كلّ حركة زائدة لتعميق أحكام القاضي و تشديدها.
تقدّمت أولى المحاكَمَات و هي ترتعش خوفا ... أمرها القاضي بالجلوس فوق كرسيّ الإتّهام، و توجّه إليها قائلا:
ـ ملفّك بسيط يا صغيرتي و لكنّي أرى نقطة سوداء تعقّد وضعك و تصعّب البتّ فيه
تنظر إليه بتعجّب و حيرة و قد سقطت دميتها أرضا ... يواصل القاضي:
ـ لماذا امتنعتِ عن زوجكِ يا صغيرة؟
ـ لم أمتنع سيّدي القاضي، لكنّي لم أتجاوز سنّ التّاسعة حينها و لم أقدر أن .....؛
يجنّ جنون القاضي و يقاطعها صائحا:
ـ كيف لم تقدري؟؟؟؟ كيف لم تقدري و قد قدرت المئات من قبلك؟
ألم أوصيكم بأن تعتبروا من زوجة سيّدكم الوكيل الأوّل؟؟؟ فلماذا قدرت هي و رفضتِ أنتِ؟؟؟
ـ سيّدي، أرجوك ..... أقسم لك أنّي لم أمتنع، كلّ ما في الأمر أنّ جسمي الصّغير لم يحتمل ما طـُلب منّي
ـ أصمتي يا قذرة... على كلّ حال لن أطيل الحديث معك، فأنتنّ قاصرات مهما كان عمركنّ .... و قد ذكِر ذلك في مجلّة الأحوال العامّة لبلادنا
سيّااااااااااااااف ...... احمي الفرن و قدها إليه
يقودها جلاّدها نحو باب صغير تحت أنظار الوكيل الأوّل الشّامتة و يرميها خلفه .... تُسمَع صرخات سرعان ما تختفي، و يعلو صوت القاضي من جديد آمرا الكاتب بإحضار المتّهمة التّالية
تتقدّم الطّفلة غير عابئة بما يحدث حولها، فهي لم تر القاضي من قبل و لا حتّى وكيله الأوّل و لا تعرف سبب محاكمتها. تواصل أكل شوكولاطتها و تحاول إدخال البعض منها في فم دميتها ....؛
يأمرها القاضي بالجلوس .... يفتح الملفّ أمامه و سرعان ما يعبس و يظهر على وجهه الغضب و الاشمئزاز
ـ ما أبشع هذا الملفّ و ما أكثر تقاريره ...
يلتفت للطّفلة الجالسة أمامه و يصيح في وجهها قائلا:
ـ أ لا تخجلين من نفسك يا قردة، يا خنزيرة؟
ـ ماذا فعلت يا سيّدي حتّى تخاطبني بكلّ هذه القسوة؟
ـ لا تعرفين ماذا فعلت؟ ألم تشربي الخمر طوال حياتك السّمجة و قد منعك الوكيل عنها؟
ـ معذرة سيّدي و لكنّ الوكيل لم يمنعني عنها أبدا، بالعكس. بل حبّبها إلى نفسي و أشربني إيّاها من يديه و في بيته
ـ لا تستبلهيني يا قردة ... أنا أتكلّم عن الوكيل الأوّل الجالس على يميني، فهو الوحيد القادر على معرفة مصالحكم
ـ و لكنّي لا أعرفه سيّدي، وكيلي هو ذاك الأشقر الجالس خلفك
ـ و لكنّ عهد ذلك الأشقر ولّى منذ زمن بعيد ..... فلا وكيل عندي سوى الوكيل الأوّل
ـ لست على علم بهذه القوانين سيّدي، فلم يطلعني عليها أحد و لم أر هذا الوكيل من قبل و لم أسمع عنه قطّ
ـ كان عليك أن تسألي أكثر ممّا فعلت ...
ـ كيف أسأل سيّدي عن شيء ليس لي به علم؟
ـ لا يهمّني .... فتقرير الشّرطة يكفي لحشرك مع المجرمين و المعارضين و المنافقين ..... سيّااااااااااف
يقودها السّيّاف خلف نفس الباب الضّيّق، ..... نفس الصّرخات ... نفس الآلام ... نفس المصير
يشعل القاضي سيجارة حتّى يهدأ و يخفّض من غضبه، ثمّ يومئ للكاتب برأسه و قد بدأ الهدوء يرتسم على وجهه
يتقدّم الكاتب وسط القاعة ماسكا بيده الطّفلة الموالية
نظر إليها القاضي و قد رُسمت ابتسامة عريضة على شفتيه المتشقّقتين ... خاطبها بكلّ لطف:
ـ أجلسي يا حلوة، و أرفعي عنك هذه السّترة ، فأنا القاضي و هذا الوكيل الأوّل، و لا فائدة في التّغطّي
ترفع الطّفلة سترتها فيلوح وجهها شاحبا وسخا و قد اختلط شعرها النّاعم بالتّراب و بعض الحشرات الصّغيرة
يتعجّب القاضي و ينادي الكاتب:
ـ ما قصّة هذه المتّهمة؟ و أين ملفّها؟ و أين شوكولاطتها و دميتها؟ ألم أعلمكم أنّ كلّهنّ سواسية؟
يقترب منه الكاتب و يهمس له مرتبكا:
ـ ليست متّهمة سيّدي، إنّها هي الشّاكية
ـ شاكية؟ و من غريمها؟
يقترب الكاتب أكثر من أذن القاضي
ـ غريمها هو والدها يا سيّدي القاضي،... "سيّدنا أدهم"، صديق وكيلكم الأوّل
ينظر القاضي إلى وكيله الّذي يومئ له برأسه و كأنّه يقول له: "نعم سيّدي، لا تخجل، افعل ما يدور برأسك"
ينظر القاضي إلى الصّبيّة و يسألها:
ـ ما شكواك يا صغيرة؟
ـ دفنني والدي حيّة يا سيّدي. لم يقبل أن تكون بكره أنثى، فأردت أن أرفع أمري لسيادتك، ... لقد قالت لنا معلّمتي أنّك أعدل من في البلاد و لا تعقل الشّكوى لسواك يا سيّدي القاضي.
ـ و حتّى إن دفنك حيّة؟ ألك من قلّة الحياء ما يدفعك للشّكوى بأبيك إلى المحكمة؟
ـ لكنّه دفنني يا سيّدي .... دفنني و ليس لي من ذنب سوى أنوثتي، دفنني و قد متّ اختناقا بالتّراب بينما كانت الأخريات تلعبن في ساحات المدارس و الرّياض
تحمرّ أعين القاضي و يصرخ في وجهها:
ـ ألا تعلمين أنّ والدك صديق الوكيل الأوّل، و أنّ أصدقاء الوكيل الأوّل قريبون من نفسي و لهم حصانة المحكمة العليا؟؟؟ ... إنّ والدك دفنك قبل أن يتعرّف على صاحب السّموّ الوكيل الأوّل، و تعلمين جيّدا أنّ كلّ ذنوب أصدقاء الوكيل تغفر و أنّ كلّ أعمالهم مباركة.
ـ سيّدي، هل تغفر أعمالهم حتّى و إن دفنوا بناتهم؟
ـ طبعا تغفر ... أبوك صديق الوكيل الأوّل يا عاقّة، صديق الوكيييييييل !!!!
سيّاااااااااااااااف ... أعدها من حيث أتيت بها، فمكانها تحت التّراب ليس فوقه
يشعل القاضي سيجارة أخرى، ..... يشرب بعض الماء، و ينهض و قد بدا عليه الإعياء و الإرتباك
ينفخ الكاتب في الصّور مرّة أخرى معلنا إنتهاء الحصّة الأولى و يخبر الحضور بأنّ المحاكمة سوف تتواصل بعد بضع ساعات
أغادر القاعة مسائلا نفسي: هل يعدل القاضي عن أحكامه؟
هل يقتنع مثلي بأنّ ما كتبه الوكيل الأوّل على الورق لا يمكن أن يكون عادلا و لا منصفا لمواطنات البلاد؟
هل يخرج البنات من قبورهنّ المظلمة إلى نور الحياة؟
أعيت التساؤلات رأسي و أرهقت نفسي ..... و ها أنا أنتظر نهاية الرّاحة للعودة إلى قاعة المحكمة ....؛
5 commentaires:
رائع فعلا ،
في انتظار البقية
شكرا عاشور :-)
Vivement la suite!!!
J'aime bien également.
j'ai hâte de lire la suite!!!
Enregistrer un commentaire