jeudi 30 juin 2011

رجل بظلّين



عهدته سريعا، منضبطا، مراعيا لمواعيده، حريصا حتّى على الركيكة منها

لم يتخلّف يوما عن لقاء تعهّده

كلّ أوقاته دقيقة حتّى الملل....، دقيقة حتّى الملل

لكنّه اليوم و كغير عادته تأخّر عن موعد قهوته المسائيّة

عدّة دقائق مرّت هذا اليوم، و لم يأتي

ساعات مرّت هذا اليوم، و لم يأتي

أيّام مرّت...، أسابيع...، شهور طويلة مرّت هذا اليوم و لم يأتي

سنوات مرّت هذا اليوم، و لم يأتي

سنوات مرّت هذا المساء، و لم يأتي

كلّ ندل الحانة يترصّدون قدومه خلف السّتار

كلّ حرفاء المقهى المجاور يترصّدون قدومه تحت الجدار

حتّى من موظّف التّأمين و خدم النّزل و سائق المركبة، و حتّى من صاحب المركبة....، يترصّدون قدومه حذو الجدار

مرّت خمس سنوات، و اقتربت شمس هذا اليوم الأزليّ من الفناء....، و فجأة لمحته يقترب من الباب الخلفيّ للحانة

لمحته كغير عادته، مرهقا، و كأنّه يحمل وزرا ثقيلا على صدره

لمحته و قد رسمت له شمس المساء المنخفضة فوق جدار شركة التّأمين ظلّين متباينين

ظِلٌ منحني، منكسر، شاحب، يكاد ينصهر داخل الجدار أو يسقط تحت بلاط الرّصيف

و ظِلٌ مرتفع، فاتل لعضلاته، موقد لنظراته، يحاول جاهدا أن يطمس آثار توأمه خجلا و كبرياءً

لم يتبيّن جلّ الحضور إعياءه...، واصل المشي حتّى عتبة الباب الخلفيّ للحانة

وقف عندها منهكا، مرهقا، خائر القوى...، و قد تبيّن لي سرّ ظلـّيه

تبيّن لي منقسما إلى نصفين....؛

نصف يحترق، و نصف يكسوه الجليد

أتذكّر أنّه نبس ببعض كلمات يحصي فيها كم من خمس سنوات يعدّ اليوم...؛

نظرت إليه بعدها عاملة التنظيف و كأنّها تعلمه باهتمامها بشأنه

ضرب لها موعدا تعهّد أن يسرّها خلاله ما خفي عنها من أقاصيصه

حان وقت الموعد، و لكنّه حتّى يومها لم يأتي....؛

لم يكن بعيدا، لكنّه لم يأتي...؛

بقي فقط يجرّ ورائه ظلّيه...؛

ظلّ النصفِ الذي يحترق....، و ظلّ النصفِ الذي يكسوه الجليد