ما حدث.....؛
كأغلب المدوّنين التونسيّين الذين كان لهم قلم قبل الثورة، تمّت دعوتي لحضور "ندوة ثقافيّة" في قصر قرطاج لتخليد ذكرى وفاة زهير اليحياوي، أوّل شهيد حقيقي للعالم الإفتراضي
خلال سويعات، و ككلّ الحضور تقريبا، تردّدت في الذهاب إلى ذاك القصر الذي يحمل اليوم صورة حكومة غنّوشيّة بائسة راكعة لشياطين الخليج، متناسية لقيم الدّولة و ملطّخة بأظلافها ترابا عزّ منذ قرون
تردّدت ربّما حتّى لا يقع ربط صورة المدوّنين التونسيّين بالصورة القبيحة لذوي القرار، و التي ما انفكّت حكومتنا الجليّة تزيدها سماجة و شنوعا يوما بعد يوم
تردّدت خاصّة حتّى لا يقع الخلط بين المصداقيّة المطلقة التي يحظى بها المدوّنون التونسيّون و المصداقيّة المهتزّة (و في العبارة تلطيف) للحكومة البليدة التي نعاني
لكن هذا التردّد لم يدم طويلا باعتبار أنّ الدّعوة كانت موجّهة من قبل صديقي محافظ نورمالاند، و ثقتي في شخصه و مواقفه (التي قد أختلف في جلّها معه) تجعلني أقبل عن طيب خاطر. و ملاقاة أصدقاء آخرين حثّتني كذلك على المشاركة في هذه النّدوة
زد على هذا أنّ قصر قرطاج (كالإيليزي و المونكلوا و البيت الأبيض و غيرهم) هو رمز للدولة و ليس للحكومة. فكلّهم مرّوا...، و بقي
لن أعود للأحداث الإستعراضيّة التي صاحبت اللقاء من طرف بعض بهلوانيّي الفايسبوك، لأنّ هؤلاء البهموت الجهلوت (كما كان قد قال الدكتور كمال الزغباني) الذين يريدون التحاف البطولات و ارتداء أزياء الثّوّار بعد الثّورة و تبنّي سياسة الثعابين في التّغطّي تحت السقوف الحاضرة (ماو يقلّك: فلان كيف الحنش، لا يحفر غار و لا يبات البرّة) لن يطالوا بثُقلهم و دناءتهم و وقاحتهم و قلّة أدبهم سمعة معشر المدوّنين الذين، رغم طول نصوصهم و شرف شجاعة أقلامهم أيّام الجمر، لم يدّعوا بطولات و لا جهادا و لا كفاحا مفتعلا.....، فما أيسر الجهاد بعد رحيل بن على
اللقاء كان شعائريا في بدايته، و شهد دموع جلّ الحاضرين حين وقع تكريم زهير اليحياوي و منحه الصّنف الأوّل من وسام الجمهوريّة الذي تسلّمته والدته و هي تخفي بصعوبة و كبرياء وجع فراق من أهدت للوطن
و كانت رؤية هذه العائلة، بتواضعها و رفعة أخلاقها و ودّيّتها و جمال مظهرها، أحلى ما في اللقاء
بعد ذلك تواترت الآراء في صخب مزعج حينا، في سرد مملّ أحيانا، و في بلاهة مضحكة أحيانا أخرى...، لي ملل في سردها، و حتّي في تذكّرها
ما لم يحدث.....؛
أهمّ ما في الأمر لم يحدث
فما الجدوى من تركيز يوم وطنيّ لحرّيّة الأنترنات دون تفعيل أدوات لحمايتها و حماية مستعمليها؟
المطلوب كان أن يفتح نقاش حول كيفيّة تثبيت أدوات تضمن حرّيّة التعبير، و تضمن حماية الأشخاص الذين يمارسون هذه الحرّيّة
دور الدّولة بالأساس هو حماية مواطنيها و الضّمان لهم بممارسة كلّ حقوقهم دون قيود و لا حدود
فما معنى أن يخاف المواطن على حياته اليوم أكثر من زمن بن علي؟
بالأمس كنّا نخشى السّجن بلا محاكمة، و اليوم أصبحنا نخشى الإعدام و قيام الحدّ (و طبعا دون محاكمة)؛
كان من المجدي و المعقول أن نفتح نقاشا حول حرّيّة التعبير و حرّيّة الضمير مثلا.... فما معنى أن يخاف المواطن اليوم عند التعبير عن عقائده و إيماناته تحت الصّمت الحليف للحكومة؟
أليس من أدوار الدّولة حماية حرّيّة المعتقد و التفكير عند مواطنيها؟ أليست حرّيّة التعبير هي القضيّة الأساسيّة التي جمعت كلّ المدوّنين منذ انطلاق هذه الظاهرة؟
ألم يعد الحقّ "للكفّار" مثلا أن يعيشوا تحت سقف هذه البلاد الطّيّبة؟
أحقّ التّعبير عند شقّ يرادفه واجب الصّمت عند شقّ آخر؟
كلّ هذه النقاشات، أو بعضها، كان لها أن تطرح في لقاء جمع لأوّل مرّة كلّ أصناف المدوّنين تحت سقف أسطوريّ كسقف قصر قرطاج، لكنّ القدر الذي أتاح لبعض المعتوهين تعكير صفو الندوة كان له رأي آخر